أولاً:- قرر الإسلام إنسانية المرأة، فهي كالرجل في الإنسانية.
قال الله تعالى: ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [ ]النساء 1[.
أن تسمي سورة باسم النساء وهي تخاطب جماعات بشرية عديدة تحتقر المرأة ولا تعترف بإنسانيتها، لا بل وتعاملها كالمتاع؛ لهو أكبر دليل على عظمة هذا الدين ورحمته وتكريمه للنساء، ثم يأتي الإعلان في أول آية من سورة النساء أنهن كالرجال في الإنسانية، وأنهما خلقا من نفس واحدة. فلماذا تسلبوهن حق الحياة؟ وكيف تسوغون حرمانهن من الأهلية في التصرف والتملك؟ ولماذا تسود وجوهكم إذا بشر أحدكم بمن كرمهن الله؟
ثانياً:- خلّص المرأة من خرافات وتبعات ما يسمى بالخطيئة الأبدية.
إذ أن المرأة في الروايات الإسرائيلية مسؤولة عن إخراج آدم من الجنة، فهي مخلوقة شريرة على حد زعمهم، فيأتي البيان الإلهي ليقرر أن إرادة الله تعالى وحكمته شاءت أن يوضع آدم وحواء في هذا الدرس؛ ليعيشا تجربة التكليف الشرعي؛ وليتعلما الأمر المباح والحرام قبل أن يباشرا وظيفة الاستخلاف في الأرض. فإن نجح الشيطان في غوايتهما سارعا إلى التوبة والاستغفار. قال تعالى مخاطباً آدم وحواء : ] وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [ ]البقرة 35[.
ولمّا ذكر القرآن الكريم وقوع الخطأ نسبه إليهما بقوله تعالى: ] فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ [ ]البقرة 36[. هذا مع العلم أن الخطأ لم يكن عن تعمد بل حصل بعد نسيان عهد الله. قال تعالى: ] وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [ ]طه 115[. ولكن لمّا كان الأنبياء عليهم السلام يلزمهم من التحفظ والتيقظ لكثرة معارفهم وعلو منازلهم ما لا يلزم غيرهم كان تشاغله عن تذكر النهي تضييعاً صار به عاصياً . ثم يأتي الخطاب الرباني بقبول التوبة بقوله تعالـى ] قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ ]الأعراف 23].
نستنتج من الآيات السابقة أن القرآن الكريم حمّل آدم وحواء المسؤولية عن الخطأ بقوله: فأزلهما الشيطان ثم توجه الاثنان إلى الله بالتضرع طلباً للمغفرة قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا مع أن الله تعالى خلق آدم – عليه السلام – ليكون خليفة في الأرض لا في الجنة. قال تعالى: ] وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً[ ]البقرة 30[.
ثالثاً:- المرأة مساوية للرجل في التكريم والتشريف والاستخلاف في الكون.
لقد خلق الله الإنسان وكرمه وفضله على مخلوقاته، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، وحمله مسؤولية الاستخلاف في الكون لعمارته، ومنحه من المؤهلات ما يمكنه من تحمل هذه المسؤولية. والمرأة تدخل ضمن خطاب التكريم وتحمل مسؤولية الاستخلاف، ومن الطبيعي أن تنعم بالمؤهلات التي تؤهلها لمشاركة الرجل في تحمل هذه الأمانة. قال تعالى: ] وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [ ]الإسراء 70[ فالتفضيل والتكريم في الآية يشمل الرجال والنساء، ثم جاء الخطاب بالاستخلاف في الكون ليشمل الرجال والنساء. قال تعالى: ] وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [ ]الحديد [وقوله تعالى: ] وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ[ ]الأنعام 165[ .
ثم جاء الخطاب الرباني ليعلن تحمل الإنسان لهذه الأمانة بما منحه من عقل وإرادة. قال تعالى: ] إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا[ ]الأحزاب 72[ قال القرطبي: لما بين تعالى في هذه السورة من الأحكام ما بين، أمر بالتزام أوامره. والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور .
إنه النموذج المعبر عن روح التحرير الإسلامي للمرأة، فهو الذي ينطلق من نصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة في تحرير المرأة وإنصافها، والمساواة بين الرجال والنساء، فقد خلقهم الله من نفس واحدة، وساوى بينهم جميعاً في حمل أمانة الاستخلاف في الكون وعمارته، كما ساوى بينهم في الكرامة والأهلية والتكاليف.
رابعاً:- شرف الإسلام المرأة بإقرار أهليتها للتكاليف:
لأول مرة تشعر المرأة بإنسانيتها، وأهليتها عندما نزل الوحي، ليخاطب المرأة ويساوي بينها وبين الرجل في التكاليف الشرعية. قال تعالـى: ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [ ]النساء 1[. فالمرأة إنسانة مخاطبة بالالتزام بتقوى الله تعالى، وهي مخلوقة من نفس الرجل ليسكن إليها ويطمئن للحفاظ على الجنس البشري المكلف بعمارة الكون، وهي مخاطبة بالأحكام الشرعية كالرجل والدليل على ذلك ما يلي:
1. الأصل مساواة المرأة للرجل في التكاليف الشرعية؛ لأن مناط التكليف في الشريعة كون الإنسان بالغاً عاقلاً، قال – صلى الله عليه وسلم – : رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق.
والمكلف هو البالغ العاقل دون غيره . فالحديث يبين بكل وضوح أن البلوغ والعقل لا الذكورة والأنوثة هما مناط التكليف. والمرأة كالرجل مكلفة بتكاليف الشريعة، ومخاطبة، وقد ساوت الشريعة بين الرجل والمرأة في واجبات الإيمان والعبادات، كما ساوت بينهما في الحقوق ).
ويؤيد ذلك الكثير من الآيات الكريمة التي خاطبت الرجل والمرأة على السواء. قال تعالى: ] إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ َالْخَاشِعَاتِ َالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [ ]الأحزاب 35[.
فالآية تدل دلالة قطعية على أهلية المرأة ومساواتها للرجل من وجوه عديدة:
أ. المرأة كالرجل مؤهلة لصفتي الإسلام والإيمان.
ب. المرأة والرجل سواء في تكاليف العبادة، وهي مؤهلة لتحقيق ثمار العبادة وآثارها، فقد وصفها القرآن الكريم بالخاشعة والقانتة وإلى أهليتها للعبادة حين ذكر الصائمات.
ج. المرأة والرجل سواء في التحلي بمكارم الأخلاق، فقد وصفها القرآن الكريم بالصادقة والصابرة والعفيفة الطاهرة المحافظة على سمعتها وشرفها بقوله: والحافظات .
د. المرأة تملك أهلية كاملة في تملك المال والتصرف فيه، فقد أشارت الآيات إلى أهليتها للصدقة من مالها الذي تملكه. ولها حق التصرف فيه وهذا يدل على أن القرآن الكريم قد قرر للمرأة أهلية تامة، وحقاً كاملاً غير مقيد بقيد، عدا ما حرم الله ورسوله في جميع التصرفات المدنية والاقتصادية، بحيث جعل لها الحق والأهلية في حيازة المال، مهما عظم مقداره. فالإرث والهبة والوصية والدين وتملك العقار ... والتعاقد والتكسب والتقاضي والتصرف بما تحوز وتملك .
2- خطاب الشريعة يعم الرجال والنساء، لأن الشريعة نزلت لعموم البشر، بجميع أجناسهم وبلدانهم. رجالاً ونساءً، قال تعالى: ] قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا[ ]الأعراف 158[.
والمرأة تدخل في مفهوم لفظ الناس بلا خلاف بين العلماء . فخطاب الله تعالى بالعبادات والأحكام يشمل الرجال والنساء إلا إذا ورد دليل من قرآن أو سنة أو إجماع، يخص أحدهما دون الآخر.[b][center]